الأحد، 12 يناير 2014

@ ما حكم حلق اللحية بالموس أو بمكينة الحلاقة؟

محمد القطان : ما هو الحكم في حلق اللحية بالموس أو بمكينة الحلاقة التي فيها درجات :
الجواب:
إن من الأحكام الشرعية ما هو من مسلمات الشرع كوجوب الصلاة و حرمة الخمر و لكن الكثير من الأحكام ما هو استنباط و اجتهاد بتبع فهم من آية أو رواية و إن للزمان و المكان و الحضارات و مستوى العقليات و مراتب العلوم و الموروث و التربية الأثر البالغ في هذا الفهم و مستوى الاستنباط و ربما بتبع تفسير و اجتهاد لبعض أكابر الأعلام في القرون الماضية إعتبر الحكم الشرعي التابع لهذه الاستنباطات من مسلمات الشرع القويم في حين انه تحتاج الأحكام الإجتهادية غير الضرورية إلى استقلالية في شهود الأدلة حتى لا يكون تقليدا بإسم الفقاهة و العلم و هذا مع الأسف ما عليه الكثير من الأعلام على طول التأريخ حتى راح ليصبح رأي بعض أعاظم الفقهاء او المفسرين او الفلاسفة مثلا شرعا او عقلا لا يجرؤ أحد على مخالفته خوفا من مجتمع عاش تعظيما او تقديسا لبعض فطاحل العلم .
وعليه فنقول إن على سلاك مدارج العلم و الاستنباط أن يكونوا اكثر استقلالية في شهود الأدلة بعيدين عن النظر الى من قال لأن المقال في مثل هذه المواطن انما هو من الظنون و الاستنباط  و ليس من القطع و اليقين التابع لنص لا ريب فيه او حديث من ذي علم عصمه الله تعالى من الأخطاء كالأنبياء و اوصياء الرسل عليهم السلام .
وان حكم حلق اللحية حرمة او كراهية أو جوازاَ من هذا القبيل اي هو من الإجتهاد و ليس من مسلمات الشرع لكن الناس و الحوزات ايضا اعتادت أن تعتبر المشهور شرعا مسلما ليكون الخارج عن محافل التأييد لما أصبح مشهورا مخالفا لشرع الله تعالى ربما استحق اللعنة و التفسيق إن لم يُحكم عليه بالكفر و الإرتداد.
ومن المعلوم ان القول بحرمة حلق اللحية كمسلمات شرع، الخارج عن الالتزام به يكون خارجا من الدين مما اتفقت عليه كلمات بعض السلفيين و بالاخص الوهابيين منهم المدعين الانتساب الى السلف الصالح من صحابة رسول الله (ص) و كأن بقية الامة الإسلامية هم من أتباع السلف الطالح.
فقد ذهب هؤلاء الى القول بأن هذا الحكم هو رأي جمهور أهل العلم بل وهو ما قام عليه الإجماع ايضا حتى قال ابن حزم في مراتب الاجماع اتفقوا على ان حلق اللحية مُثلة لا تجوز و قد راح ادعاء الاجماع في كثير من مواطن احكام الله عند طوائف من المسلمين من الخاصة و العامة ان يلغي هوية الفقه و الفقاهة حتى راح ليُدعى ثبوت الإجماع في مواطن الشُهرات و في ما كان له مستند شرعي من الكتاب والسنة و قد أشرت في بحث الأصولية و الإخبارية الى ما وصل إليه ادعاء الاجماع من قبل البعض حتى من بعض علماء الشيعة أنفسهم ايضا على مر عقود من الزمن حتى راح ليدفع بالآخرين الى الخوف من إبداء الرأي في كثير من المسائل الإجتهادية و قد قلت في كثير من الأبحاث أن الاستبداد العلمي و بالأخص في محافل الحوزات لهو أخطر من استبداد الحكام لأنه يلغي عقلا و هوية انسانية لكنه مع الأسف هو واقع أمة على اختلاف مراتبها بحيث اصبح جاريا في مواطن الاحكام الاجتهادية الظنية ايضا فضلا عن مسلمات الشرع التي قال تعالى في حقها (لا إكراه في الدين) لكنها لم تسلم من الاستبداد و هذا من الخطر العظيم حينما يتجاوز الإستبداد قصور الجبارين ليصبح متجولا في حدائق اسفار العلماء و المثقفين بجعل الرأي و الاجتهاد جالسا على كرسي مسلمات الشرع و ضروراته , اللهم طهرنا من حضارة الاستبداد و حققنا بواقع عظيم حرية الإسلام فهماَ لشرعك و تطبيقا له.
وعليه فنقول فيما هو محل السؤال وهو جواز حلق اللحية و عدمه بعد ان بينا انه ليس من مسلمات الشرع حكما بل هو من مواطن الاجتهاد و الاحكام الظنية التابعة تعبدا لأدلتها عند طوائف المسلمين حيث يتسائل الإنسان هل كون الرجل ذا لحية هو من مسلمات حضارة أمم كان قائما في ربوع الأرض حتى عهد قريب منا و لذا راح ليأخذ طابع معالم دين او مسلمات شرع حيث ان ما يخالف ذلك كحلق اللحية عندها يصبح أمرا مستغربا او مبغوضا او داعيا الى فقد كرامة ربما اتسم صاحبه بالشذوذ و الانحرام و التشبه بالنساء بل وربما كان يعد حلق الشوارب ايضا من هذا القبيل عند كثير من الأمم حتى في عهود ليست بعيدة عن الأذهان , كما و ان في حضارة أمة ربما يكون مالا يُعد من شأن الرجال مدعاة للنُفرة و سقوط الكرامة حيث انهم يعتبرون ان للرجال خصائص و للنساء كذلك و الشرع قد لاحظ هذا الأمر لكن يكون اعتباره مقيدا بالزمان و المكان و لا يمكن اخذه كعنوان حكم شرعي عام على مدى الأزمان كما و ان لباس الشهرة كذلك مما حكم عليه الشرع بأحكام لكن لا يمكن ان نعتبر لباسا خاصا له هذا الحكم على طول الأزمنة، وعليه فان كانت اللحية من هذا القبيل فلسوف يختلف حكمها باختلاف هذا الواقع الاجتماعي و الحضاري و قد سمعت من الوالد (قده) أنه الى عهد قريب الى زمن جده كان يعتبر لبس السديرية و هو ما يُلبس عادة الآن تحت الصاية او الجبة او السترة كان يُعد من لباس الشهرة و كان الفقهاء يحكمون على لابسها ببعض التعزيرات كما و ان لبس البنطلون الأسود مع القميص الأبيض و الشوارب الكثة كان في زمن غير بعيد يُعد من مظاهر الشبيبة الشيوعية التابعة لإستالين و لذا كان تمنع منه العلماء لأنه يعطي عنوانا إلحاديا لكن لا يمكن ان نعتبر ذلك حكما شرعيا لجميع الأزمان حيث ان الأحكام في بعض الأحيان قد تكون تابعة لزمانها و مكانها و لا يجوز ان تعمم ، حيث ان الحكم تابع لموضوعه فمثل هذه الأحكام ليست كحكم الصلاة و الصوم وجوبا او الخمر و أكل لحم الخنزير حرمة و هذا الواقع الحضاري مما يُحتمل تحققه في حكم حلق اللحية سواءا قيل في حقها بالحرمة او الكراهة او المُثلة و التشبه بالكفار.
أجل ربما كان بعض الأخبار الناهية عن حلق اللحية كالتي قيلت في مقابل سفراء كسرى حينما وجدهم الرسول (ص) قد حلقوا اللحى و ابقوا الشوارب فمثل هذا الحكم او النهي يكون مقيدا بواقع امر كان قائما آنذاك أريد حينها عدم التشبه به و هو ما كان عليه الكفار كالفٌرس او غيرهم آنذاك و قد استند ابناء العامة و الجماعة في التحريم إليه  وإلى غيره و قد كان من جملة مستنداتهم رواية واردة عن ابن عمر بن الخطاب من أنه قال قال رسول الله (ص) خالفوا المشركين وفروا اللحى و احفوا الشوارب و اعفاء اللحية تركها على حالها و توفيرها ابقاؤها.
ثم جاء ابن تيمية المعبر عنه بشيخ الاسلام وقال : (قد دل الكتاب والسنة والاجماع على الامر بمخالفة الكفار و النهي عن مشابهتهم بالجملة معللا ذلك قائلا لان مشابهتهم في الظاهر سبب لمشابتهم في الأخلاق و الافعال المذمومة بل وفي نفس الاعتقادات و هي تُورث محبة و موالاة في الباطن و في رواية اخرى عن ابناء العامة والجماعة : (من تشبه بقوم فهو منهم) وقال احد علماء العامة وهو ابن عبد البر في التمهيد (يحرم حلق اللحية ولا يفعله الا المخنثون من الرجال) وقال كإثبات لوجود اللحية  أن رسول الله (ص) كان كثيف شعر اللحية أو كثيف اللحية .
فهاهنا يمكن طرح هذا السؤال وهو أنه هل كون الرجل ذا لحية هي حضارة أمة أو حضارة الأمم قديماً إلا ما ندر منها فأخذت معالم دين أو مذهب أو كانت من شأن الرجال وما لم يكن كذلك كان الناس يرونه انحرافاً ونزولاً عن مرتبة الشرف والرجولة وعليه فتدخل هذه المسألة فيما هو من نظائرها من لباس الشهرة وما يدعو لثبوت حكم هو من شأن الزمان والمكان ولا يمكن أن يعتبر حكماً على طبيعة كالرجال مثلاً ولا يبعد ذلك بالنسبة لبعض الأمور التي أخذت حكماً عاماً سواء في مواطن الوجوب أو التحريم وربما أضاف عليها حمل النهي على الحرمة كظهور إدخال بعض ما ليس من المحرمات في المحرمات ولو كانت القاعدة سليمة في نفسها لكن حينما تحف بالإحتياط ربما تدفع لتضييق دائرة الشرع ليدخل الكثير مما ليس هو في واقع الأمر محرماً في المحرمات في شريعة بنيت على التساهل وسميت بالشريعة السمحاء كما وأن بعض النواهي من تأملها وجدها إرشادية لكنها راحت بعموم ظاهر النهي في الحرمة لتضيف على المحرمات حرمة جديدة حتى كادت الشريعة عند بعض رجال الدين ولو للعمل بالإحتياط لتصبح شريعة الممنوعات والمحرمات بدلاً من أن تكون شريعة الحياة.
وأما ما عليه مشهور العلماء سنة وشيعة من حيث الفتوى هو أن يبقي الشخص من شعر لحيته بمقدار يصدق عليه أنها لحية، وفي موطن آخر أفتى البعض أن الأحوط وجوباً إبقاء اللحية بمقدار يصدق عليه أنه ملتح وفي عبارة أخرى عن بعض الأعلام حرمة حلق اللحية مبني على الإحتياط واستندوا في المنع أو الإحتياط إلى روايات منها: (حفوا الشوارب واعفوا اللحى) ومنها: (حلق اللحية من المثلة ومن مثّل فعليه لعنة الله) ثم قالوا تأكيداً للمنع والحرمة إن مما يدعم هذه الروايات إجماع المذاهب الإسلامية على حرمة حلق اللحية وكذلك سيرة المتشرعة من أول الإسلام إلى هذا الزمان حيث أنهم ينكرون على من حلق لحيته.
لكن أقول إن دعوى قيام الإجماع والإستناد إلى الشهرات لإثبات ضرورة حكم عائد إلى أدلته يكون من الإجماع المدركي وهو لا قيمة له وكذلك الإستناد إلى الشهرة حيث أنها قد تكون فتوائية وأما دعوى المثلة أو تغيير خلق الله فهو أول الكلام ولو افترض فلماذا يكون بحلق اللحية دون حلق الشوارب فتبقى مسألة حلق اللحية حرمة وجوازاً مسئلة خلافية في الفقه الإسلامي ودعوى الشهرة أو الإجماع لا يشفعان لها للخروج عما هي عليه من واقع الخلاف وكونها مسألة إجتهادية ظنية الحكم لا ترقى لمواطن القطع وضرورات الشرع القويم والمدار على الدليل حتي لا نجعل الشهرة الفتوائية وغيرها من دعاوى الإجماع مستنداً لإيقاف الإستنباط والحكم بلزوم اتباع ما توصل إليه المتقدمون من الأعلام حيث تصبح الشريعة تقليداً للماضين بإسم الإجتهاد.
وفي الختام أقول إن المستفاد من الأدلة إما التشبه بغير المسلمين أو المثلة أو أنه من الأحكام المقيدة بقيود الزمان والحضارات حيث يكون ما يخالف ذلك حضارة أمة ترى الحلق  للحية منافياً للمروءة أو الرجولة أو الشهامة وهذا حكم يختلف باختلاف الأزمان والأماكن وإن كان شرعياً بلحاظ حيث أنه  نظير لباس الشهرة وعلى الفرضين لا محل لهما في زماننا الحاضر وبذهاب الموضوع يرتفع الحكم وغاية ما يمكن أن يقال إن المنع لا يبلغ الحكم بالحرمة أو الكراهة أو الإحتياط ولا أقل من التردد وعدم الجزم بذلك والله هو العالم بحقائق الأمور داعياً الله تعالى أن يرينا الشريعة السمحاء التي هي شريعة الحياة بواقع أمرها بلا قيود الإجتهادات الشخصية والأذواق وقيود الزمان والمكان بظهور طلعة الحق مهدي آل محمد (عج) لتعيش الأمة بل البشرية ما جاءت به الأنبياء وهو الإسلام.
وهاهنا لابد من ملاحظة وهي أن من تشهد الشهادتين لا يمكن تحت أي عنوان من العناوين اخراجه من الدين بدوافع الطائفية والمذهبية ما لم يرجع أمره إلى إنكار ضرورة من الضروريات الدينية  وذاك ما أصيبت به هذه الأمة حينما راح وعاظ السلاطين ليكفروا الكثير من أمة محمد (ص) بتبع هوى الحكام وياليت ذلك توقف عند أعتاب قصور الجبارين بل راح ليتجول في أروقة العلم والكثير من مراكز الفتيا ولست بصدد بيان من كفّر منذ رحيل نبي هذه الأمة إلى يومنا هذا من المسلمين كما وأنه لابد من إلفات نظر القراء الكرام أن ما يكون اجتهاداً يختلف فيه الأعلام ولم يكن من ضروريات الدين كما نحن فيه من مسألة حلق اللحية لا يمكن تفسيق الناس بسبب عدم الإلتزام به بإطلاق من الكلمة ما لم يكن عائداً إلى معتقد برأي فقيه كما وأنه لا يمكن جعل المسائل الخلافية تحت مظلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل غاية ما يمكن أن يدّعى فيها الإرشاد والنصح حققنا الله وإياكم بواقع رفيع خلق الإسلام وأبعدنا عن حضارة الإستبداد إنه مجيب الدعوات .
وأما بخصوص ما سألتم عنه فإنه بناء على حرمة حلق اللحية كحكم ثابت للأزمان وإن قلنا إنا نتردد في ثبوت ذلك فيكون الحلق بالموس من المحرمات وأما الحلق بالمكينة فإن كان يبقي ما يسمى عرفاً لحية فلا مانع منه وإن كان العرف يتردد في كونها لحية فيكون من الواجب عليه أن يحلق بدرجة أعلى بما يعتبره العرف أنه ذو لحية لأن مثل هذه الأمور وهي تشخيص المصاديق الخارجية تدور مدار التشخيص العرفي وليس الأمر فيها حكماً شرعياً يرجع فيه إلى الفقيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
محمد كاظم الخاقاني


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق