ماهو مفهوم قول الإمام الحسين عليه السلام:من لم يلحق بي لم يبلغ الفتح؟
إسم السائل : حسين
السؤال:
السلام عليکم و رحمة الله و برکاته
قال ابو عبدالله الحسين عليه السلام في رسالته الي بني هاشم
اما بعد فان من لحق بي استشد.ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح
ما هو مفهوم من:ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح
حسين من عبادان
الجواب:
لقد جاء في الرسالة الشريفة للامام عليه السلام :
من الحسين ابن علي ابن ابي طالب الى أخيه محمد وسائر بني هاشم
أما بعد فإنه من لحق بي استشهد ومن لم يلحق لم يبلغ الفتح والسلام .
هنا بالنسبة الى كلمة الفتح الواردة في الرسالة محتملات في المقام على الرغم من كون الرسالة وجيزة لكنها تحمل الكثير من الأبعاد فالإمام عليه السلام بصريح من القول يخاطب بني هاشم قائلا من لحق بي استشهد حيث يقولها بقطع ويقين والشهادة بعد لم تقع وما ذاك إلا لعلم غيب كما اشار في موطن آخر إليه قائلا (خُطّ الموت على ولد آدم ****مخط القلادة على جيد الفتاة) ولسنا هاهنا بصدد بيان ما هو المستند لهذا العلم القطعي هل هي الأخبار الواردة من الرسول (ص) او هي لعلم الإمامة او لشؤون الولاية المطلقة لأن هذا ليس ما هو محل البحث هاهنا لكون السؤال إنما هو عن المراد من كلمة الفتح فالإمام عليه السلام لم يمنِّ أحدا حكما ولا زعامة ولذا كان من اتبعه على بصيرة ويقين أنه يسير في ركب يتطلع الى الشهادة في سبيل الله تعالى.
فهاهنا يقع التساؤل إن الإمام عليه السلام عن أي فتح يتكلم والشهادة ليست إلا موتا وانتقالا الى دار الآخرة وما حدثنا التاريخ إن الشهادة يطلق عليها إسم الفتح بحسب المصطلح وانما يقال فتح مكة المكرمة مثلا حيث يكون النصر والفوز والهيمنة على المبطلين كقريش وغيرهم من اعداء الإسلام.
فالإحتمال الاول في المقام نقربه ببعض الأمثلة وهو ينقسم الى شقين فقد وردت بعض الأحاديث تقول (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) و نحن نعلم ان كملة (لا) يؤتى بها في الغالب لنفي الجنس فلا صلاة الا بطهور ولا رجل في الدار , فهل أراد الإمام عليه السلام نفي مطلق الفتح كما لا صلاة الا بطهور بمعنى ان من تمكن من النصرة منكم يا بني هاشم و تخلف عن ذلك فلا يفيده بعدها أي عمل مهما بلغ إلا أن تشمله الرحمة الالهية بالعفو وانكم ستندمون اذا كشف لكم الغطاء حيث لا يفيد الندم , حيث أنه بناءا على هذا الاحتمال يكون الأمر دائرا بين الوجود لتحقق الفتح و العدم.
أو اراد عليه السلام من كلمة (لا) نفي المرتبة فكما لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد بمعنى أنه من لم يلحق بي لا يبلغ المرتبة العليا عند الله تعالى التي أعدها لهؤلاء الشهداء بأن نفسر الفتح بفتح المقربين عند رب العالمين أي من يستشهد يبلغ هذا المقام ومن لم يشتهد لم يبلغ هذه المرتبة وان قضى الحياة في زكاة النفس وطلب العلم و العمل الصالح فيكون كلاما عن مرتبة عليا تفوت المتخلف لا يمكنه تداركها بعد ذلك بأي عمل من الأعمال ولو عاش الى يوم الحشر راكعا ساجدا صائما مستغفرا لكن الكلمة لا تدل على أن المتخلف يستوجب العقاب وفقدان المكانة مطلقا عند الله تعالى كما فرضنا ذلك في الصورة الأولى بل يكون الكلام عن بيان المراتب و لو دار الأمر بين الاحتمال الاول والثاني كان الأول اولى بأن من تخلف عن نصرة صريح الحق الذي هو الوقوف مع الإمام المعصوم عليه السلام يكون مأثوما ولا ينجيه من عقاب الله إلا عفوه حتى ولو أسقط الإمام عليه السلام حقه الشخصي عن رقاب الناس لعظيم لطفه ورحمته كما قال في الليلة العاشرة من المحرم لأصحابه أنتم في حِلّ مني فاتخذوا هذا الليل جملا لأنه مظهر الرحمة المطلقة الإلهية الذي لا يعرف حقدا ولا يدعو لنفسه في أمر ولا يحب ان يدخل أحد النار بواسطة تخلفه عن نصرته حتى راح عليه السلام في صبيحة يوم العاشر من بعد ما نظر الى جيوشهم ليبكي على اعدائه المتعطشين على دمه الزكي الطاهر.
الإحتمال الثاني : إن الظاهر من كلمة الفتح أنها وصف لنفس الشهادة لانها شهادة من نوع خاص قد وصفها الامام عليه السلام بالفتح بمعنى ان الفتح يعود الى نفس هذه الشهادة لكن كيف نفسر الشهادة بالفتح فهل يراد به الفتح الأخروي بما يترتب عليه من القرب والثواب؟ نقول ان الظاهر من الحديث ان هذه الشهادة تحمل الفتح بغض النظر عما يترتب عليها من الأثر العظيم و المقام الرفيع عند الله تعالى حيث أن الشهادة بما هي هي لم تحمل في نفسها نصرا في حين ان هذه الشهادة كانت اكبر من أعظم فتح وقع على وجه الارض حيث انها اسقطت امبراطورية عظمى وهي الحكومة الاموية حيث راح بشعار يا لثارات الحسين ليسقط بنو العباس الحكم الاموي وقامت الثورات من التوابين وغيرهم وحصل قيام المختار واستمرت آثار هذه الشهادة بفتوحها على طول التأريخ تدفع بكثير من الأحرار للقيام ضد الظلم والظالمين والجبابرة على وجه الأرض مستلهمين ذلك من نهضة الحسين و عزمة وثباته و عزم وثبات اصحابه.
فكم من فتح على طول التأريخ نسي بعد حين لكن هذه الشهادة ما زالت ترعب الطواغيت وهم في قصورهم وعليه فالإمام يشير عليه السلام ان المتخلف عن هذا النصر والفتح لا ينال دواعي هذا النصر المؤثر على طول التأريخ بما له من الأثر كما وانه لا ينال الثواب المستمر المترتب على هذا النصر والفتح العظيم.
الإحتمال الثالث : في المقام ان يقال لعل الإمام الحسين عليه السلام يريد ان يشير الى بني هاشم قائلا يا بني هاشم لا تخدعوا النفس بنسب ولا حسب ولا بكثرة صلاة وعبادة ولا بزهو علم حيث ان عبد الله بن عباس كان يسمى حبر الأمة حيث ان فتح القمم للمعارج نحو الله تعالى ليس فيما تتوهمون وانتم عن نصرة اوليائه متخلفون لأن حقيقة الشرع انما هي باتباع امام مبين و رُبَّ عبادة ونسك وحج كان اثما اذا كان في وقت نداء معصوم للقيام بأمر واعلموا انه لو كان مجرد العبادة قربا بدون امتثال صحيح لأوامر الله واوليائه لكان ابليس بعد اكثر من ستة آلاف سنة من اقرب المقربين وكذلك لكان الخوارج عبّاد الليل اصحاب الجباه السود الذين ظنوا ان عبادتهم توصلهم الى الفتح والفوز في حين انهم كانوا من اصحاب الجحيم لأنه لا قيمة لعلم ولا عمل لم يكن فناءا في طاعة الله تحت اوامر اوليائه.
فأراد الإمام الحسين عليه السلام ان ينبه بني هاشم رحمة بحالهم ليخرجوا من غفلة هم فيها واقعون اوجبت عليهم التباس الأمور فهذا قد خدعه قرب نسب وذاك زهو علم مشيرا الى انه لا قرب الا من طريق الله واي قيمة لحج بأزاء حق متروك وظلم قائم فاعلموا انكم لو عبدتم الله ليلا ونهارا و بقيتم الدهور في دار الدنيا لما كان ذلك منج لكم وانتم تتركون نصرة اولياء الله الذين فرض طاعتهم وكيف يقبل عمل او علم صاحبه متخلف عن اومر إمامه.
و بالجملة لعل الإمام يريد ان يقول لبني هاشم الذين خدعهم الحسب والنسب لقربهم من رسول الله (ص) و الإمام علي عليه السلام بأن هناك فتحا كفتح مكة وكم من صحابي كان مع رسول الله (ص) دخل مكة ولم يحصل على الفتح الحقيقي بل كانت عاقبة أمره ان كان من الضالين وان عاش حينها سرور الفاتحين لكن يا بني هاشم اعلموا ان الفتح الحقيقي بعمل يفتح لكم ابواب السماوات فإذا فتحت لكم كنتم حقا من الفاتحين وهو نصرة الحق كما يريد الله تعالى لا بتبع الهوى او الجهل ولا مبلغ لذلك إلا عن طريق اولياء الله الذين جعلهم حجة على العالمين فمن تخلف عنهم ولو جاء بأعمال الثقلين لا يبلغ هذا الفتح لأن المدار على خلوص النية ومتابعة الاولياء.
الإحتمال الرابع ان الإمام الحسين عليه السلام يريد ان يشير الى فتح أحبّ ان يكون بنو هاشم من أهل ذلك الفتح لا بما هم متوهموه بانه بحسب او نسب او علم او بكثرة عبادة وذلك الفتح فتح ما حصل لاحد في العالمين إلا لنوادر من البشر فيريد ان يقول (ع) ان الذين معي من الأنصار على الرغم من كونهم قد علموا علم اليقين ان مصيرهم الموت فهم أناس قد اجتمعت آراء أبناء الدنيا ضدهم حكومة وشعبا وقد خذلهم القريب والبعيد و راح لينصحهم الصديق جهلا فلم يثنهم كل ذلك عن لقاء ربهم لأنهم على الحق المبين وإن خالف مسيرهم أبناء الدنيا جميعا كما قال عمار بن ياسر في يوم من أيام صفين و كانت جيوش اهل العراق تنهزم في مقابل أهل الشام فقال له قائل أما ترى ما نحن فيه فأجابه قائلا والله لو هزمونا وبلغوا بنا نخيلات هجر لعلمت أنّا على الحق وانهم على الباطل , أجل هؤلاء اصحاب القيم الذين لا تغير آرائهم كثرة الناس حولهم او تخاذلهم عنهم فيقول الإمام الحسين إن أصحابي جميعا هم كذلك وقد ابتعد عن الإمام الحسين (ع) أقرب الناس إليه حتى راح بعض بني هاشم ليقدموا له النصح جهلا بأن يتوجه الى اليمن او الى مكة المكرمة ويتحصن فيها حتى بلغ الجهل بالبعض ان قال يا حسين لا تلقي بنفسك في التهلكة.
فيريد أن يقول الإمام عليه السلام لبني هاشم إن أصحابي قوم على الرغم من اعلان الدنيا ضدهم الحرب حكومة وشعبا إلّا ما ندر وتخطئتهم من قبل من يرى نفسه من أهل المعارف من العلماء والمتنسكين فإن كل ذلك لم يفن عزمهم ولم يخدش بصيرتهم فكونوا منهم يا بني هاشم لأنه بالنسب لا تبلغون الفتح بل بعلو العزيمة وعظيم البصيرة وقد شرحت في بعض الاسئلة الموجودة على الموقع قول الإمام الحسين عليه السلام ما رأيت أصحابا كأصحابي فقراءة ذلك قد يكون فيه مزيد من الفائدة بما لأصحابه من خصوصية بلغوا بها هذا الفتح العظيم ولذا قد كشف لهم عن بصائرهم ليلة العاشر من المحرم فشاهدوا منازلهم عند ربهم لأنهم قطعوا كل حبل غير حبل ربهم.
الإحتمال الخامس في المقام هو أن الإمام عليه السلام لعله يشير الى بشرى حصل عليها هؤلاء القوم وهي ان الله تعالى قد اختارهم ليوم الفتح العظيم وذلك لأنهم سيصبحون من اقطاب دولة العدل العالمية لأن ذلك الفتح لا يقوم فقط بالمتقين من الأحياء على وجه الأرض بل بالملائكة المقربين ونبي من اولي العزم كعيسى عليه السلام وبعض الاولياء والمصلحين الباطنيين كالخضر (عليه السلام) وغيره من المصلحين لبواطن الامور في الدنيا وبإحياء بعض الاولياء ولعله قد يكون منهم من انصار آدم ال الخاتم الى بقية الأئمة عليهم السلام وذلك لأن العدل الذي يراد تحقيقه هو واقع العدل الذي لا يكون من أمرائه وقادته من يؤتى به لمجرد حسن الظاهر بل لابد وان يكون من المؤمنين حقا ظاهرا وباطنا وإلّا فقد كان من الامراء في عصر النبوة خالد بن الوليد الذي قتل الناس للأحقاد الجاهلية حينما ولاه الرسول (ص) فهذا الفتح الذي يبلغه هؤلاء فتح ليس له من نظير لا في السابقين ولا اللاحقين لأنه فتح هو غاية بعثة الانبياء فقول الامام (ع) من لحق بي استهشد ومن لم يلحق لم يبلغ الفتح اي ان هؤلاء الشهداء يبلغون فتحا عالميا ما حصل مثله لأحد لخلوص نياتهم وقد تمنى بلوغ هذا الفتح الاولون والآخرون فكونوا من أهله يا بني هاشم فإني اريد لكم الخير وما تقدمت إليكم الا بالنصح لو كنتم تعقلون.
ومن المحتملات ايضا لعله يشير في المقام الى فتح عرفاني يجمع الصور المتقدمة جميعا بما له من أثر في عالم الدنيا الى قيام الساعة وبما له من أثر في عالم البرزخ والقيامة ومن عروج لا حد له تفتح له ابواب السماوات في جميع عوالم عالم الامكان الى ما لا نهاية له فهو فتح لقمم عام البرزخ والصراط وعظيم المورد الذي يشير اليه الامام علي عليه السلام (آه آه من قلة الزاد وبعد الطريق وعظيم المورد ) لأن الله تعالى غير متناه ولا يعرج هذا العروج اللامتناهي قاصدا إياه إلا المقربون الذين منهم هؤلاء الاصحاب وأنتم يا بني هاشم لقربكم من نداء الحق اولى من غيركم بالنصرة لبلوغ هذا المقام فكيف تتخلفون عنه وقد لبى هذا النداء بعض النصارى و الاسود والابيض والعربي والاعجمي.
وها هنا يجب الالتفات الى امر وهو ان بني هاشم كغيرهم من القبائل فيهم العديد من الرجال فأين هؤلاء الذين غرهم الحسب والنسب والعلم من اوتاد الارض وعظماء الخلق الذين نصروا الحق على طول التأريخ بعزم وخلوص نية كُشفت لهم حجب الانوار كعمار ومالك الاشتر و المقداد وسلمان وحجر بن عدي وغيرهم من الابرار ونحن نشاهد في زماننا هذا مع كل الاسف تكريما للنسب وغفلة عن أمثال هؤلاء العظماء ففي كل بلدة شيعية قد توجد عشرات المزارات المنسوبة لأهل البيت تزار والناس على الرغم من قربهم في بلدة قم مثلا من زكريا بن آدم الذي يقول فيه الأئمة عليهم السلام بمثل زكريا ابن آدم يمسك الله السماء ان تقع على الأرض فمثل هذا الرجل العظيم قد لا يعرفه أكثر الشيعة, أجل هكذا هي سنن رواسب القبلية على الرغم من مجيء الانبياء وقوله تعالى ان اكرمكم عند الله اتقاكم وما ورد من الاحاديث المتواترة الرادعة عن تقييم الناس بالانساب.
وفي الختام اقول ما ذكرناه من المحتملات في المقام ليس إلا ما يدركه امثالنا من القاصرين ولا يعرف المراد بما هو إلا أهله وفقنا الله وإياكم لمعرفة بعض ما يقصده الائمة عليهم السلام.
--
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق