السبت، 17 أغسطس 2013

@ إذا كان الرسول (ص) يعرف بحال الرجلين الاول والثاني فلماذا تزوج من ابنتيهما و لم يخبر الأمة بحالهما؟


إذا كان الرسول (ص) يعرف بحال الرجلين الاول والثاني فلماذا تزوج من ابنتيهما و لم يخبر الأمة بحالهما؟

إسم السائل: طالب من الآذربايجان

السؤال:
شيخنا الفاضل إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارفا حال الرجلين الأول والثاني واثناهما عليه من الإنطواء والتربص بعد وفاته فلمَ لم يبعدهما؟ ولم تزوج ابنتيهما وبحسب المنهج والسير العقلائي الذي نفهمه في المقام أنه كان ينبغي عليه أن يبعدهما فما هو الجواب في المقام وهل يمكن أن يقال على أنه عاملهما معاملة بقية المنافقين كما كانت سيرته مع الجميع بكيفية تتناسب مع الظاهر في المقام وشكرا


الجواب:
سألني أحد الإخوة من طلاب الحوزة من الآذربايجانيين بأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارفا حال الرجلين الأول والثاني واثناهما عليه من الإنطواء والتربص بعد وفاته فلمَ لم يبعدهما؟ ولم تزوج ابنتيهما وبحسب المنهج والسير العقلائي الذي نفهمه في المقام أنه كان ينبغي عليه أن يبعدهما فما هو الجواب في المقام وهل يمكن أن يقال على أنه عاملهما معاملة بقية المنافقين كما كانت سيرته مع الجميع بكيفية تتناسب مع الظاهر في المقام:

أرجو التوجه للجواب أولاً: إن بعض الأمور لابد وأن تلحظ بلحاظ مبانيها وبعض الأمور لابد وأن تتبع اتباعا تأريخيا في المقام، أما المسألة التأريخية فهي: أن هناك منهجية قائمة عليها القبائل العربية لأن الإنسان من أجل تهدئة الوضع يحاول المصاهرة مع من يحتمل منهم الخلاف أو يلمس منهم العداء وكانت هذه المنهجية قائمة على قدم وساق في تلك العصور ومن راجع التاريخ سيجد ذلك ملموساً في تاريخ الأمم السابقة وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله ليصاهر الكثير من المخالفين وممن يحتمل منهم التربص بالإسلام والمسلمين حتى يخفف من أحقادهم ومن هجمتهم وتربصاتهم على الإسلام والمسلمين ولذا تزوج بإبنة أبي سفيان وتزوج بالكثير من بنات ونساء القبائل المعادية كاليهود وغيرهم ولعل الكثير أو الأكثر الذي تحقق من زواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عملاً من هذا القبيل حتى يخفف الوطأة والأحقاد على المسلمين والإسلام ومن راجع التأريخ سيجد أن اكثر الزواج الذي تحقق لرسول الله صلى الله عليه وآله ما كان من الأنصار ولا من بني هاشم ولا من الكثير من المقربين له وإنما كان من اليهود أو المعارضين والمخالفين والحاملين الأحقاد على الإسلام وهذه الطريقة العقلائية كانت جارية في تلك العهود ولذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وآله وأن الكثير من الأئمة عليهم السلام ساروا بهذا المنهج ومن تردد فعليه أن يراجع ما تحقق من زواجٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله باستثناء زواج خديجة أو بعض الأخريات من نساءه وسيجد اكثر زواج رسول الله كان من هذا الباب وكان من هذه العوائل ومن هذه الطوائف وهذا بحث تأريخي على كل سائل أن يراجع التاريخ ليعرف الحقيقة والشؤون الإجتماعية التي كانت حاكمة على المجتمعات آنذاك وبالأخص على المجتمعات القبلية العربية التي كان الكثير من الزواج فيها يحصل بهذه الطريقة حتى يحصل القرب لما تحدث من الحروب التي تسبب الأحقاد والكثير من الأمور ولا نريد أن نطيل في هذا الأمر.

هناك أسس إلهية وهي السنن الإلهية التي جرت على وجه الأرض منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام إلى قيام الساعة وهناك ما يعتبر من الأمور المرتبطة بمجاري الأمور سياسة واجتماعا وما شاكل هذه الأمور فمن تأمل في السنن الإلهية والغاية من خلق الإنسان عرف الكثير وانحلّت لديه الكثير من الشبه في المقام إذا عرف الأسس والغايات والسنن الإلهية ومن جاء بدون التفات إلى هذه الأسس ستتوالى عليه الكثير من الشبه فلذا نبدأ ببحثنا بحثاً علمياً متناسقا مع السنن الإلهية في المقام فنقول:

الغاية من خلق الإنسان هي أن يختبر على وجه الأرض والإختبار مع الإختيار هما الأساس لهذا الخلق ولإختبار العقول ولغاياتها تحت ضوابط  الغاية والإختيار ولذا نجد أن الله سبحانه وتعالى وهو أقدر القادرين على حسم مواطن ومحال النزاع لم يحسم أمراً إلا لذوي العقول الذين أمرهم في قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) فالمجاهدون في سبيل الله الذين عرفوا الغاية من الخلق فراحوا يبحثون عن معرفة الحقيقة اولئك هم السعداء الذين عرفوا من أين وفي أين وإلى أين، والذين جاهدوا في سبيل الله بعد معرفة الغاية بدءاً وخلقاً و إيجاداً وسيراً وسلوكاً وغاية عرفوا التوحيد وعرفوا النبوة وعرفوا الإمامة وعرفوا الحقائق جميعاً لكن ترك الله سبحانه وتعالى البشرية تتنازع في التوحيد فبين موحد ومشرك وزنديق ناكر للحقيقة وهو أقدر القادرين أن يحسم مادة النزاع في صراع أخذ يستمر طيلة القرون والدهور فلم يحسمه سبحانه وتعالى وهو أساس المطالب وهو التوحيد فكان قادراً  من إظهار جنانه أو نيرانه وكان قادراً بصيحة في السماء وكان قادراً بألف طريق وطريق محسوس وغير محسوس أن يجعل الناس يعيشون القطع واليقين والجزم في التوحيد وفي شؤون التوحيد والصفات الإلهية لكنه لما كانت الدنيا دار اختيار واختبار ترك البشرية تتصارع صراع المجاهدين هل هم قادرون أذا بذلوا جهدهم على اختلاف عقولهم ومدارجهم أن يصلوا إلى قمم التوحيد بمعانيه الرفيعة أو إلى أي مرتبة من مراتب هذه الحقيقة، فترك الأمم في أساس أمرٍ وهو التوحيد أن يتصارعوا فيما بينهم في الحق والباطل والخير والشر وكلٌ راح يثبّت أو ينقض أمراً في مسألة التوحيد وهكذا نجد الأمر في النبوة فقد ترك تعالى الأمر و جعل الباب مفتوحاً لتتنازع الأمم المعتقدة بالتوحيد في مسألة النبوة فهذا أصبح يعتقد بنبوة موسى عليه السلام وآخر بنبوة عيسى عليه السلام وآخر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وكما وأن النبوة تركت للعقول ولجهاد المجاهدين كذلك تركت مسألة القيادة وهي الإمامة والمراد من الإمامة في المقام هي التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تبين بطون الرسالة بأبعادها السبعة والسبعين وهي التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تطبق الشريعة كحكومة إسلامية بعيدة عن التطرف والإفراط والتفريط وبعيدة عن الزيادة والنقصان فإذا عرفنا هذه المقدمة من أن الأرض خلقت للإختبار وأن السنن الإلهية قائمة بعد تمامية البيان من كل نبيٍ ،هذا هو تأريخ البشرية بعد آدم عليه السلام وهذا هو تأريخها بعد نوحٍ وابراهيم وموسى وعيسى فالسنن الإلهية لا تختلف أبداً ومطلقاً هي بنفسها جاءت لتكون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، رسول الله صلى الله عليه وآله الذي بعد لم يحكّم الشريعة في ضمائر المسلمين الذين جاءوا بعد فتح مكة أفواجاً أفواجا ليدخلوا في الدين لم يترك الله سبحانه وتعالى نبيه فترة طويلة كثلاثين سنة مثلاً حتى تصبح شريعة الإسلام راسخة في أعماق البشرية أو لاأقل في أعماق المسلمين وإذ بنا نشاهد بعد ما فتح مكة المكرمة تنزل عليه سورة إذا جاء نصر الله والفتح فبكى الكثير من المسلمين فقالوا إن هذه السورة تنعى إلينا نفس رسول الله صلى الله عليه وآله .

فإذا كانت سنن السماء معلومة لدى المسلمين وتحقق النصر بواسطة رسول الله صلى الله عليه وآله والشريعة التي جاء بها بمعالمها ومعارفها فكيف نتصور بأن الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان غير معلوم لرسول الله وهو أعرف العارفين بالسنن الإلهية على وجه الأرض التي مرت لتشمل الأمم جميعاً من بعد آدم عليه السلام إلى زمن الخاتم صلى الله عليه وآله وكيف يمكن أن نعتبر الأمر غير واضح وهاهي الصحاح لدى العامة فضلاً عن الخاصة مملوءة بما يدل على انقلاب الأمة على أعقابها لكنه لما كان لابد من تطبيق سنن السماء على وجه الأرض بمقاييس السماء وهي ترك الأمم بعد البيان لتعمل باختيار لتختبر واكثر دليل على ذلك ما ورد في الصحاح كما هو معلوم حيث ورد في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (يعرض عليّ بعض أصحابي في المحشر فأقول أصحابي أصحابي فيقال بأنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم فيؤخذ بهم إلى النار …….) وفي حديث آخر (أقول سحقاً سحقاً  لمن بدّل من بعدي) وقد ورد أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله يخاطب المسلمين قائلاً (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر أو ذراعاً بذراع حتى ولو دخلوا جحر ضبٍ لاتبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن؟) فإذن هاهو رسول الله يخبر الأمة ويحذرها من مغبة الإنقلاب على الأعقاب والإرتداد والتحريف ومتابعة سنن اليهود والنصارى بعد أنبياءهم ولا يتردد متردد في كون اليهود والنصارى إنحرفوا بعد أنبياءهم وراحوا يغيرون ويحرفون ويتلاعبون فكانوا حقاً مصداقاً للمنقلبين على الأعقاب كما وأن أمة محمد صلى الله عليه وآله أيضا انقلبت على الأعقاب وهاهي الروايات كثيرة كثيرة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله (والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ) كما في صحيح البخاري وفي حديث آخر (والله إني لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي) والأحاديث في ذلك كثيرة كثيرة وقد شاهدنا أيضا ما ورد في البخاري حينما قال رسول الله صلى الله عليه وآله (ءاتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لن تضلوا من بعدي حيث قال الرجل حسبنا كتاب الله وإن الرجل ليهجر أي إن الرسول صلى الله عليه وآله ليهجر وفي رواية أخرى حاول تلطيفها صاحب صحيح البخاري قال إن الرجل قد غلب عليه الوجع التي حاول البعض أن يلطفوا التعبير مبدّلين كلمة يهجر بمصاب بالوجع أو ما شاكل هذه التعابير .

ثم نحن إذا جئنا إلى سنن الأرض لنقيس تلك السنن بسنن السماء سنجد سنناً معلومة لدى الجميع وأسس هذه السنن التي حكمت على وجه الأرض طيلة القرون هي سنن الترغيب والترهيب وتقوية السلطان بدلاً من تحقيق المثالية على وجه الأرض فعلي عليه السلام الذي يخاطبه عبدالرحمن بن عوف بعد مقتل الخليفة الثاني مد يدك يا علي أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وطريقة الشيخين وكان قادراً أن يقول نعم ليلزم مقاليد الأمور ثم يطبق ما شاء لكنه قال الكتاب والسنة فنعم وأما طريقة الشيخين إن كانت كالكتاب والسنة فلا تحتاج إلى شرط وإن لم تكن متطابقة مع الكتاب والسنة فما هذا الإشتراط في المقام، كان يستطيع أن يتجاوز عن كلمة وكان قادرا أن يوجهها بألف توجيه وصاحب السلطة تسمع منه جميع الكلمات، آثر المثالية في الصدق والإلتزام بقيم الرسالة بدلاً من أن يستلم حكما مبنيا على تمويه وتشويه ولو أراد حكماً لاستلمه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فنرجع مرة ثانية لنقول للسائل الكريم إن الله وهو أقدر القادرين لم يحسم مادة النزاع في التوحيد ولم يحسم مادة النزاع في النبوة ،وجعل الباب مفتوحا أمام الأمم ليختاروا حتى يرى هل يريدون تطبيق الرسالة ويريدون الحقيقة أم أنهم لا يريدون إلا المصالح الشخصية وكذلك هذه السنة الإلهية طبقت بعد الأنبياء مطلقاً فما حسم الله تعالى أوصياء الأنبياء لينظر إلى الأمم التي تدعي التزاما بالشرايع أتريد حقيقة الشرع أم لا تريد إلا مصالحها الشخصية فإن كانت تريد الحق فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله (اعرفوا الحق تعرفوا أهله)اعرفوا الحق بموازينه الرسالية ومثله وقيمه تعرفوا من هم رجالات الحق ومن هم الذين يطبقون الحق تطبيقا في مرتبة النظام الإسلامي ومن هم العارفون بأبعاد الرسالة ومعانيها فاولئك لا يختلف عليهم الأمر بين علي الحق وصي رسول الله صلى الله عليه وآله والمتقمصين الذين تقمصوا الخلافة وما بين علي عليه السلام وبين المنكرين الجائرين رؤساء الفئة الباغية كمعاوية بن أبي سفيان، اولئك الرجال بموازين الشريعة وسلامة العقل والفطرة يميزون رجالات الحق بالحق وليس هناك من إنسان سوي يريد أن يعرف الشريعة بأفعال الرجال ومن أراد أن يعرف الشريعةمن وجوه الرجال يعيش متخبطاً في الظلمات ولذا قال علي عليه السلام (إن الحق لا يعرف بالرجال اعرفوا الحق تعرفوا أهله) لكن هذه المقاييس وهي معرفة الشريعة سارت عليها الكثير من الأمم وتبعتها الأمة الإسلامية فجاءت لتجعل المقاييس في أفعال الرجال و لتقيس الحق بالأكثرية ولتجعل الموازيين تابعة للأكثرية ونحن نشاهد ذلك في السقيفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله حينما جاء زعيم القوم ليخاطب الأنصار قائلاً (من ينازعنا سلطان محمد صلى الله عليه وآله) فنسي أو تناسى أنها نبوة وليست بسلطان وأنها لا اختصاص لها بأحد فإما أن تختص بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بمن هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله كما نص على ذلك الكتاب المجيد (وأنفسنا وأنفسكم) وإلا فإن تنزلنا عن الغدير فلا مفرّ عن الشورى التي جعلها الله سبحانه وتعالى أساساً بين المسلمين فنسي موازين الشرع في الشورى وراح يطالب بزعامة رئيس قريش محمد بن عبدالله ونسي نبوة وخاتمية ثم راح بعد ذلك ليتناسى حقيقة أخرى وهي أن الإسلام لا يرتبط بزيد أو عمرو فجعلها لقريش ليحرم منها الأنصار ولا أدري بأي موازين تكون النبوة قرشية قبلية ولا ندري بأي موازين قسّم الرجل المسلمين إلى قسمين فأعطى الولاية لقريش وادعى الوزارة للأنصار بمثل هذا التخبط راح ليصل إلى مرحلة تتجاوز الحدود حتى قال الرجل بنفسه بعد فترة من الزمن حينما ادعى هو وصاحبه (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه) وقد كان على المسلمين أن يتساءلوا بعد ذلك أو يسئلوا الرجل قائلين إن كانت بيعة أبي بكر فلتة فقد حصلت على عدد بقدر الأصابع بايعت أبابكر أو لاأقل حشّدت لها الحشود بعد ذلك لتبايع بيعة قرشية خاصة لا أحد من المسلمين فيها وأن تلك البيعة التي كانت من الفرد وهو الخليفة الأول إلى الثاني بأي ضوابط وموازيين، إن كانت من بايعه العشرة أو الأكثر من ذلك بإقرار الرجل أنها كانت فلتة وأن من عاد إلى مثلها يجب أن يقتل فكيف حال الذي لم يبايعه أحد من المسلمين مطلقاً وبتاتا فتقبلها لنفسه بلا شورى وبلا نص حتى أصبحت منهجا للحكام بعد ذلك فسار على هذا المنهج الحكام الآخرون وعدم مشاورة المسلمين في ذلك وعدم الإعتناء بالأمة مطلقا صارت شعاراً ومنهجا اقتدى به معاوية بن أبي سفيان وسار على ذلك بنو أمية ومن بعدهم سار بنو العباس، هكذا سقطت مقاييس الشريعة وسقطت موازيين الشرع المقدس من النص والشورى ومن نظر إلى الشورى التي جاء بها الثاني حيث اختار ستة وادعى في حقهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان راضياً عنهم إلى حين وفاته فهم من العشرة المبشرة بالجنة فلا ندري ما معنى هذه الشورى التي اختصت بستة يعينهم شخص على طبق نظره ولا ندري أنه تحت أي موازيين وقيم أمر بأنه إذا لم يتفقوا على شخص وكانت الأكثرية في جانب ولا ندري على أي مقاييس جعل على الكفة التي يكون فيها عبدالرحمن بن عوف هي الراجحة وأن البقية إن خالفوا يجب أن يقتلوا فهل أراد لهم تسارعاً إلى الجنان لأنهم من المبشرين بالجنة فأراد أن يضرب أعناقهم حتى يدخلوا الجنان بأسرع وقت يمكن أن تفترض ولا ندري كيف قبل المسلمون أن تكون هذه شورى؟

 فإخواني كما قلنا في بداية البحث هناك موازيين وقيم سماوية، الله سبحانه وتعالى يجعل الأبواب مفتوحة حتى يختار الناس لأنفسهم إما أن يسيروا بسبل الحق أو بسبل الباطل مختارين ولو شاء الله أن يحكّم أولياءه لحكّمهم فإذن ترك رسول الله هؤلاء وأمثالهم من الذين يعرفهم حق معرفة لأنه مكلف بأن يترك الأبواب مفتوحة فلو شاء الله أن يحكّم أولياءه على وجه الأرض لحكّمهم ولجعل الدنيا تقاد بأيدي أولياء الله ولجعل الدنيا تسير بيد سليمان عليه السلام بعد سليمان متمكناً لا يتمكن أحد من مخالفته لكن هذا  يتنافى مع الغاية من خلق هذه الدنيا وهي الاختيار فنريد أن نقول إن الحجة إذا تمّت وإن البيان إذا تم لابد وأن تترك الأبواب مفتوحة حتى يسعى كل واحد سعيه إما إلى سبل الحق أو إلى سبل الباطل وهناك موازيين وسنن إلهية لابد أن تطبق على وجه الأرض فهناك سنن سياسية قيادية إنسانية ولها طريقها أما طرق السلطة والحصول عليها فهي لا تغيب عن البسطاء من الخلق فضلاً عن عظماء الخلق كالأنبياء و أوصياءهم الذين يعرفون أن الدنيا لابد أن تسير بمسيرتها فلابد وأن ينال منها أصحاب الدنيا وأن تكون الأبواب مفتوحة وأن تكون بأيدي غير المؤمنين في غالب أيام سيرها ولذا نجد الدنيا تنتقل من يد طاغوت إلى طاغوت ومن يد جائر إلى جائر حتى تتمكن النفوس من إبداء ضمائرها ومن السير على طبق أهواءها ورغباتها فتختبر في مقابل ذلك نفوس الأولياء من الصبر والثبات والإخلاص لله تعالى والإعتزال عن الدنيا وشؤونها يعيشون مضطهدين محرومين يعيشون بعيدين عن كل ما يفترض من الراحة والطمأنينة حتى تختبر النفوس أتثبت على الحق للحق وتختبر نفوس أهل الدنيا بأنها لأي مجالٍ تسير على اختلاف مراتب المجرمين وأبناء الدنيا في المقام.

 فإذن خلاصة الكلام في السؤال الأول أن هذا من سنن الله سبحانه وتعالى بعد تمامية البيان بواسطة جميع الأنبياء أن تترك الأمور حتى تختبر النفوس أحقاً هي مؤمنة أم جعلت الإيمان شعاراً وانقلبت على الأعقاب وسارت بسنن الماضين فوجد الله سبحانه وتعالى أن الأمة الإسلامية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله أنها سارت بمسيرة الأمم السابقة من اليهود والنصارى فكما أخبر الله تعالى بقوله (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) فالإنقلاب على الأعقاب والردة عن موازيين الشرع أثبتها الكتاب المجيد وأثبتتها الأخبار المتواترة ومن تردد في كلمات الشيعة فاليرجع إلى صحيح البخاري وسيجد ذلك من الواضحات .

وأما دعوى المدعين الذين يحاولون أن يقولوا بأن الردة كانت ردة عن الإسلام فنقول لهم بأن الردة ما كانت لا من سجاح ولا من الأسود العنسي ولا من مسيلمة الكذاب ولا من غير هؤلاء أبداً ومطلقا هؤلاء كانوا معلنين ومدعين النبوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أيدهم الكثير من الناس فمن كان مدعيا للنبوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لا يسمى ارتدادا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فهؤلاء كانوا خارجين عن الإسلام مدعين للنبوة ولا ندري أين الردة المدّعاة؟ أيمكن أن تخاطب الأمة بهذه الروايات الكثيرة الكثيرة الموجودة المحذرة من انقلاب الأمة على أعقابها وارتدادها وكفرها أيمكن أن يكون الخطاب لمالك بن نويرة كما يدعي القوم و هم قد أقروا على أنه كان مسلماً صلّى معه خالد بن الوليد ثم غدر به فقتله وتجاوز على عرضه بنفس الليلة وها هو التأريخ مملوء بإيرادات واردة من الخليفة الثاني على الخليفة الأول يطالب على أن يقيم حدود الله على خالد مصراً على ذلك لكن نسي أو تناسى حينما وصلت إليه السلطة فعزل خالد بن الوليد عن قيادة الجيش وأبقاه قائداً عملياً لقيادة الجيش أهكذا كانت حدود الزناة تقام فلا ندري بأي شرعٍ وبأي منهج الزاني يعزل من قيادة الجيش عزلاً رسمياً ويبقى قائدا عملياً لا ندري بأي كتابٍ و بأي سنة كانت الحدود بهذه المعاني وهل هذا اجتهاد في مقابل النص أم هذه تلاعبات على شريعة رسول الله صلى الله عليه وآله.

ومن أراد أن يفهم اكثر من ذلك فليراجع ما تكلمت به الصديقة الطاهرة عليها السلام ولينظر إلى أبعاد كلامها في خطبتها في المسجد النبوي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله تخاطب الخليفة الأول فهناك يعرف أبعاد الإنقلاب على الأعقاب وأنه كان مدبراً مخططا له على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فأطلب من الإخوة جميعاً أن يراجعوا خطبة الصديقة الطاهرة عليها السلام فإنهم سيرون بكل وضوح أبعاد هذا المخطط وأنه ما كان خفياً على أحد فضلاً عن سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله فإذن مع كل دراية أراد رسول الله صلى الله عليه وآله تطبيق السنن الإلهية وفتح الأبواب للإختيار والإختبار حتى يتدرج الله تعالى مع النفوس إلى أين وإلى أي موقف تسير وإلى أي مدى تنتقل من ظلمة إلى ظلمة فكل ما في صحيح البخاري ومسلم محذرات للأمة من الإنقلاب فإذن كان الأمر واضحا وما كان هناك من تردد في الردة بإسم الدين وبكلمة حق يراد بها باطل فهذا أظنه لا يحتاج إلى تردد فلا يتصور المتصور أن الرسول الكريم ترك القوم وكان ينبغي أن يفعل كذا ولو فعل كذا لما كان هكذا هذه كلها بناء على موازيين تحكيم السلطة وقبض أزمة الأمور لا على موازيين شرايع السماء و سنن الله تعالى على وجه الأرض التي تقوم بالبيان وتترك الأمم لكي تفعل باختيار سبل الحق أو تسير بسبل الباطل بدراية واختيار إذا تسلط عليها الأهواء و عبدت الدنيا سواء عبدت الدنيا باسم الدين أو بأسماء أخرى في المقام والحمد لله رب العالمين.
-- 
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق